تعتبر رحلة
الإسراء والمعراج التي أكرم الله سبحانه وتعالى بها نبيه محمداً صلى الله
عليه وسلم احدى العلامات الفارقة في تاريخ الاسلام، فخلالها فرضت الصلاة
على المسلمين، وبعدها اكتسب المسلمون الذين رسخ الايمان في قلوبهم قوة دفع
جديدة.
* لماذا الإسراء والمعراج، وما الدليل عليها من القرآن الكريم؟
تأتي هذه المعجزة تكريما وتثبيتاً للرسول صلى الله عليه وسلم بعد وفاة عمه
الذي كان يحميه وزوجته التي كانت تواسيه، وبعد ما أصابه في الطائف ومكة
وما أصابه من الاذى، فهي بعد العام العاشر من البعثة كما تدل على ذلك
مجريات الاحداث، ولكن اختلف في تحديد زمانها بعد العام العاشر. فعندما
يسيطر الحزن في الارض يكون المعراج الى السماء وكأن الله يقول لنبيه: يا
محمد يا حبيبي إن تخلت عنك القوى الارضية فلن تتخلى عنك عناية رب البرية.
وقد أشار القرآن الكريم الى الإسراء والمعراج في سورتي الإسراء والنجم ففي
السورة الأولى ذكر قصته وحكمته، في قوله “سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من
المسجد الحرام الى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو
السميع البصير”.
وذكر في السورة الثانية قصة المعراج وثمرته في قوله “ولقد رآه نزلة أخرى،
عند سدرة المنتهى، عندها جنة المأوى، إذ يغشى السدرة ما يغشى ما زاغ البصر
وما طغى، لقد رأى من آيات ربه الكبرى”.
حادثة شق الصدر
* كيف كانت حادثة شق صدره صلى الله عليه وسلم تمهيداً لقيامه بهذه الرحلة العظيمة؟
لقد صحت الروايات في قيام جبريل عليه السلام بشق صدر الرسول صلى الله عليه وسلم وغسله بماء زمزم وافراغ الحكمة والايمان في صدره.
ففي الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه قال: كان أبو ذر يحدث أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال: “فرج سقف بيتي وأنا بمكة، فنزل جبريل ففرج صدري
ثم غسله بماء زمزم، ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيماناً فأفرغه في
صدري ثم أطبقه؟ ثم أخذ بيدي فعرج بي الى السماء الدنيا.. فظهر من خلال هذه
المعجزة عدم تأثر جسمه بالشق واخراج القلب ما يؤمنه من جميع المخاوف
العادية الاخرى، ومثل هذه الامور الخارقة للعادة مما يجب التسليم له دون
التعرض لصرفه عن حقيقته، لمقدرة الله تعالى التي لا يستحيل عليها شيء وفي
هذا رد على من انكر وقوع حادثة شق ليلة الإسراء.
* وكيف بدأت رحلة الإسراء المباركة؟
تنزل جبريل عليه السلام في الليل، والليل ظلام، ورسول الله صلى الله عليه
وسلم قائم بين يدي ربه الرحمن، فأوحى اليه جبريل بأمر الله بالخروج للقيام
بهذه الرحلة ولسان حاله يقول: هلم يا رسول الله الى لقاء الله، ويركب
الرسول صلى الله عليه وسلم البراق الذي اعده له ربه من مكة الى بيت المقدس
وهو دابة كثر الكلام والجدال حول وصفها وشكلها وحجمها والذي يهمنا انه
ركبها وانتقل بها لأنه لم يرد في وصفها نص صحيح وصريح الا حديث عن أنس ان
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أتيت بالبراق وهو دابة، أبيض، فوق
ال** ممنوع ** ودون البغل، يضع حافره عند منتهى طرفه، فركبته فسار بي حتى أتيت
بيت المقدس، فربطت الدابة بالحلقة التي يربط فيها الانبياء، ثم دخلت فصليت
فيه ركعتين، ثم خرجت فأتاني جبريل بإناء من خمر، وإناء من لبن، فاخترت
اللبن، فقال جبريل: أصبت الفطرة..”. (رواه احمد والبخاري ومسلم).
ومن سياق هذا الحديث يتضح لنا ان الرسول صلى الله عليه وسلم انطلق ببراقه
الى بيت المقدس ومنه الى المسجد الاقصى، حيث أنبياء الله ورسله ينتظرونه
ليسلموا عليه وليصلي بهم إماما، ولم لا؟، وهو قائدهم وسيدهم وامامهم وفي
هذا اشارة لعالمية الاسلام؟ وانه الدين الخاتم الخالد للناس جميعا، قال
الله تعالى.
الى السماء السابعة
* كيف اخترق رسول الله صلى الله عليه وسلم أجواء السماء ومن التقى فيها من إخوانه من الانبياء؟
كانت حادثة أعظم من أختها، ومعجزة أسمى من التي كانت قبلها، فقد صعد النبى
صلى الله عليه وسلم على سلم علوي يتقدمه جبريل عليه السلام الى السماوات
العلى وعرج به تلك الليلة من بيت المقدس الى السماء الدنيا، فاستفتح له
جبريل ففتح له، فرأى هناك آدم عليه السلام أبا البشر فسلم عليه فرحب به
ورد عليه السلام، وأقر بنبوته وأراه الله أرواح الشهداء عن يمينه، وأرواح
الاشقياء عن يساره، ثم عرج به الى السماء الثانية فاستفتح له. فرأى فيها
يحيى بن زكريا وعيسى بن مريم، فلقيهما وسلم عليهما فردا عليه ورحبا به،
وأقرا بنبوته.
ثم عرج به الى السماء الثالثة، فرأى يوسف عليه السلام فسلم عليه، فرد عليه ورحب به، وأقر بنبوته.
ثم عرج الى السماء الرابعة. فرأى فيها ادريس فسلم عليه، ورحب به، وأقر بنبوته.
ثم عرج به الى السماء الخامسة، فرأى فيها هارون بن عمران، فسلم عليه ورحب به، وأقر بنبوته.
ثم عرج به الى السماء السادسة فلقي فيها موسى بن عمران، فسلم عليه ورحب
به، وأقر بنبوته، فلما جاوزه بكى موسى، فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: أبكي لأن
غلاما بعث من بعدي يدخل الجنة من أمته اكثر مما يدخلها من أمتي.
وبالرغم من بكاء موسى وجزعه الا ان ربه لم يغضب منه، لانه كليمه ورسوله.
ثم عرج به الى السماء السابعة، فلقي فيها ابراهيم عليه السلام، فسلم عليه
ورحب به وأقر بنبوته وقد رآه مسندا ظهره الى البيت المعمور لأنه باني
الكعبة الارضية، والجزاء من جنس العمل وبهذا عُدّ هؤلاء الرسل الانبياء من
صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكأن النبي اخذ ينظر الى الملائكة
الابرار الاطهار يطوفون حول الكعبة السماوية يطوف حولها سبعون الفا كل يوم
لا يعودون اليه آخر ما عليهم. فيا له من مشهد عظيم يراه رسول الله صلى
الله عليه وسلم بدلا من رؤية الكافرين والمشركين يطوفون بأوثانهم واصنامهم
حول الكعبة الارضية ثم رفع الى سدرة المنتهى ورفع له البيت المعمور.
.